حشود الناس في الحر والهجير الذي لا يطاق ليقول لهم بأن علي هو محب المؤمنين
وناصرهم .
وبماذا يفسر هؤلاء الذين يؤولون النصوص حفاظا على كرامة كبرائهم
وساداتهم موكب التهنئة الذي عقده له رسول الله صلى الله عليه وآله .
وبدأ بزوجاته أمهات المؤمنين وجاء أبو بكر وعمر يقولان « بخ بخ لك يا ابن
أبي طالب أصحبت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة » والواقع والتاريخ يشهدان
أن المتأولين لكاذبون فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكتبون قال تعالى :
( وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون )(1). ث - حديث : « علي مني وأنا من علي ، ولا يؤدي عني إلا أنا أو
علي »(2).
وهذا الحديث الشريف هو الآخر صريح في أن الامام عليا هو الشخص
الوحيد الذي أهله صاحب الرسالة ليؤدي عنه وقد قاله عندما بعثه بسورة براءة
يوم الحج الاكبر عوضا عن أبي بكر ، ورجع أبو بكر يبكي ويقول يا رسول الله
أنزل في شيء فقال : إن الله أمرني أن لا يؤدي عني إلا أنا أو علي .
وهذا ظهير ما قاله رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي في مناسبة أخرى عندما قال له :
« أنت يا علي تبين لامتي ما اختلفوا فيه بعدي »(3).
فإذا كان لا يؤدي عن رسول الله إلا علي وهو الذي يبين للامة ما اختلفوا
فيه بعده ، فكيف يتقدم عليه من لا يعرف معنى الاب ومن لا يعرف معنى الكلالة
وهذا لعمري من المصائب التي أصابت هذه الامة وأعاقتها عن أداء المهمة التي
____________
( 1 ) سورة البقرة : آية 146 .
( 2 ) سنن إبن ماجه ج 1 ص 44 خصائص النسائي ص 20 صحيح الترمذي ج 5 ص 300 .
جامع الاصول لابن كثير ج 9 ص 471 الجامع الصغير للسيوطي ج 2 ص 56 .
الرياض النضرة ج 2 ص 229 .
( 3 ) تاريخ دمشق لابن عساكر ج 2 ص 488 كنوز الحقائق للمناوي ص 203 . كنز العمال ج 5 ص 33 .
( 176 )
رشحها الله لها ، وليست الحجة على الله ولا على رسول الله ولا على أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب ، وإنما الحجة البالغة على الذين عصوا وبدلوا ، قال تعالى :
( وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه
آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون )(1). ج - حديث الدار يوم الانذار :
قال رسول الله صلى الله عليه وآله مشيرا إلى على :
« إن هذا أخي ، ووصيي ، وخليفتي من بعدي فاسمعوا له وأطيعوا »(2).
وهذا الحديث هو أيضا من الاحاديث الصحيحة التي نقلها المؤرخون لبداية
البعثة النبوية وعدوها من معجزات النبي ، ولكن السياسة هي التي أبدلت
وزيفت الحقائق والوقائع ، ولا عجب من ذلك لان ما وقع في ذلك الزمان المظلم
يتكرر اليوم في عصر النور فهذا محمد حسين هيكل أخرج الحديث بكامله في كتابه
« حياة محمد » في صفحة 104 من الطبعة الاولى سنة 1354 هجرية وفي الطبعة
الثانية وما بعدها حذف من الحديث قوله صلى الله عليه وآله ( وصيي وخليفتي من بعدي ) ؛
كذلك حذفوا من تفسير الطبري الجزء 19 صفحة 121 قوله ( وصيي وخليفتي )
وأبدلوها بقوله إن هذا أخي وكذا وكذا . . ! ! وغفلوا عن أن الطبري ذكر
الحديث بكامله في تاريخه الجزء 2 صفحة 319 .
أنظر كيف يحرفون الكلم عن مواضعه ويقلبون الامور ، يريدون أن يطفئوا
نور الله بأفواههم والله متم نوره . .
وخلال البحث الذي قمت به أردت الوقوف على جلية الحال فبحثت عن
الطبعة الاولى لكتاب « حياة محمد » وتحصلت عليها بحمد الله بعد عناء ومشقة
____________
( 1 ) سورة المائدة : آية 104 .
( 2 ) تاريخ الطبري ج 2 ص 319 تاريخ ابن الاثير ج 2 ص 62 السيرة الحلبية ج 1 ص 311 شواهد
التنزيل للحسكاني ج 1 ص 371 كنز العمال ج 15 ص 15 .
تاريخ ابن عساكر ج 1 ص 85 تفسير الخازن لعلاء الدين الشافعي ج 3 ص 371 .
حياة محمد لحسين هيكل الطبعة الاولى باب وأنذر عشيرتك الاقربين .
( 177 )
وقد كلفني ذلك كثيرا ، والمهم أنني اطلعت على ذلك التحريف وزادني ذلك يقينا
بأن أهل السوء يحاولون جهدهم أن يمحوا الحقائق الثابتة لانها حجة قوية لدى
( خصومهم ) ! .
ولكن الباحث المنصف عندما يقف على شيء من هذا التحريف والتزييف
يزداد عنهم بعدا ويعرف بلا شك أنهم لا حجة لديهم غير التضليل والدس
وقلب الحقائق بأي ثمن ، ولقد استأجروا كتابا كثيرين وأغدقوا عليهم الاموال
كما أغدقوا عليهم الالقاب والشهادات الجامعية المزيفة ليكتبوا لهم ما يريدون من
الكتب والمقالات التي تشتم الشيعة وتكفرهم وتدافع بكل جهد وإن كان باطلا
عن كرامة بعض الصحابة المنقلبين على أعقابهم والذين بدلوا بعد رسول الله الحق
بالباطل ( كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم قد بينا الآيات
لقوم يوقنون )(1) صدق الله العظيم .
1 - حديث الثقلين
قال رسول الله صلى الله عليه وآله :
« يا أيها الناس إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا كتاب الله
وعترتي أهل بيتي » وقال أيضا :
« يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب وإني تارك فيكم الثقلين أولهما كتاب الله
فيه الهدى والنور وأهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل
بيتي »(1).
وإذا أمعنا النظر في هذا الحديث الشريف الذي أخرجه صحاح أهل السنة
والجماعة وجدنا أن الشيعة وحدهم هم الذين اتبعوا الثقلين « كتاب الله والعترة
النبوية الطاهرة » بينما اتبع أهل السنة والجماعة قول عمر « حسبنا كتاب الله » .
وليتهم اتبعوا كتاب الله بغير تأويل حسب أهوائهم فإذا كان عمر نفسه لم
يفهم منه معنى الكلالة ولا عرف منه آية التيمم وعدة أحكام أخرى فكيف بمن
جاء بعده وقلده بدون اجتهاد أو اجتهد برأيه في النصوص القرآنية ، وبطبيعة
____________
( 1 ) صحيح مسلم باب فضائل علي ج 5 ص 122 صحيح الترمذي ج 5 ص 328 .
مستدرك الحاكم ج 3 ص 148 مسند الامام أحمد بن حنبل ج 3 ص 17 .
( 180 )
الحال سوف يردون علي بالحديث المروي عندهم وهو « تركت فيكم كتاب الله
وسنتي »(1).
وهذا الحديث إن صح وهو صحيح في معناه ، لان معنى العترة بقوله صلى الله عليه وآله
في حديث الثقلين المتقدم هو الرجوع إلى أهل بيتي ليعلموكم - أولا - سنتي ، أو
لينقلوا إليكم الاحاديث الصحيحة لانهم منزهون عن الكذب وإن الله سبحانه
عصمهم بآية التطهير .
وثانيا : لكي يفسروا لكم معانيها ومقاصدها ، لان كتاب الله وحده لا
يكفي للهداية فكم من فرقة تحتج بكتاب الله وهي في الضلالة كما ورد ذلك عن
رسول الله عندما قال : « كم من قارئ للقرآن والقرآن يلعنه » .
فكتاب الله صامت ، وحمال أوجه ، وفيه المحكم والمتشابه ولابد لفهمه من
الرجوع إلى الراسخين في العلم حسب التعبير القرآني وإلى أهل البيت حسب
التفسير النبوي .
فالشيعة يرجعون كل شيء إلى الائمة المعصومين من أهل البيت النبوي ولا
يجتهدون إلا في ما لا نص فيه .
ونحن نرجع في كل شيء إلى الصحابة سواء في تفسير القرآن أو في إثبات
السنة وتفسيرها ، وقد علمنا أحوال الصحابة وما فعلوه وما استنبطوه واجتهدوا فيه
بآرائهم مقابل النصوص الصريحة وهي تعد بالمئات فلا يمكن الركون إلى مثلهم
بعد ما حصل منهم ما حصل .
وإذا سألنا علماءنا ، أي سنة تتبعون ؟ لاجابوا قطعا : سنة
رسول الله صلى الله عليه وآله .
والواقع التاريخي لا ينسجم مع ذلك ؛ فقد رووا أن الرسول نفسه قال :
« عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ » إذا
فالسنة التي يتبعونها هي في أغلب الاحيان سنة الخلفاء الراشدين وحتى سنة
____________
( 1 ) أخرج مسلم في صحيحه والنسائي والترمذي وابن ماجه وأبي داوود في سننهم الحديث المذكور .
( 181 )
الرسول التي يقولون بها فهي المروية عن طريق هؤلاء .
على أننا نروي في صحاحنا أن الرسول منعهم من كتابة سننه لئلا تختلط
بالقرآن ، وكذلك فعل أبو بكر وعمر إبان خلافتيهما ، فلا يبقى بعد هذا حجة في
قولنا « تركت فيكم سنتي »(1).
والذي ذكرته في هذا البحث من الامثلة - وما لم أذكره هو أضعاف ذلك -
كاف لرد هذا الحديث لان من سنة أبي بكر وعمر وعثمان ما يناقض سنة النبي
ويبطلها ، كما لا يخفى .
وإذا كانت أول حادثة وقعت بعد وفاة رسول الله مباشرة وسجلها أهل
السنة والجماعة والمؤرخون : هي مخاصمة فاطمة الزهراء لابي بكر الذي احتج
بحديث « نحن معشر الانبياء لا نورث ما تركناه صدقة » .
هذا الحديث الذي كذبته فاطمة الزهراء وأبطلته بكتاب الله ، واحتجت
على أبي بكر بأن أباها رسول الله صلى الله عليه وآله لا يمكنه أن يناقض كتاب الله الذي أنزل
عليه إذ يقول سبحانه وتعالى : ( يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ
الانثيين )(2).
وهي عامة تشمل الانبياء وغير الانبياء ، واحتجت عليه بقوله تعالى :
( وورث سليمان داوود )(3) وكلاهما نبي .
وقوله عز من قائل : ( فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب
واجعله رب رضيا )(4).
والحادثة الثانية التي وقعت لابي بكر في أيام خلافته وسجلها المؤرخون
____________
( 1 ) ورد بلفظ ( كتاب الله وعترتي ) مسندا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله . أما لفظ سنتي فلم يرد في أي من
الصحاح الست ، وقد أخرج الحديث بهذا اللفظ مالك بن أنس في موطئه ونقله مرسلا غير مسند ،
وأخذ عنه بعد ذلك البعض كالطبري وابن هشام ونقلوه مرسلا كما ورد عن مالك .
( 2 ) سورة النساء : آية 11 .
( 3 ) سورة النمل : آية 16 .
( 4 ) سورة مريم : آية 5 . 6 .
( 182 )
من أهل السنة والجماعة اختلف فيها مع أقرب الناس إليه وهو عمر بن الخطاب
تلك الحادثة التي تتلخص في قراره بمحاربة ما نعي الزكاة وقتلهم فكان عمر
يعارضه ويقول له لا تقاتلهم لاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : « أمرت أن
أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله محمد رسول الله ، فمن قالها عصم مني
ماله ودمه وحسابه على الله » .
وهذا نص أخرجه مسلم في صحيحه جاء فيه : « ان رسول الله صلى الله عليه وآله
أعطى الراية إلى علي يوم خيبر فقال علي : يا رسول الله على ماذا أقاتلهم ؟
فقال صلى الله عليه وآله قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، فإن
فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله»(1) .
ولكن أبا بكر لم يقتنع بهذا الحديث وقال : والله لاقاتلن من فرق بين الصلاة
والزكاة فإن الزكاة حق المال ؛ أو قال : « والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى
رسول الله لقاتلتهم على منعه » واقتنع عمر بن الخطاب بعد ذلك وقال : ما إن
رأيت أبا بكر مصمما على ذلك حتى شرح الله صدري ؛ ولست أدري كيف
يشرح الله صدور قوم بمخالفتهم سنة نبيهم ! .
وهذا التأويل ، منهم لتبرير قتال المسلمين الذين حرم الله قتلهم إذ قال في
كتابه العزيز .
( ياأيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى
إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة كذلك
كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا إن الله كان بما تعملون خبيرا )(2). صدق الله العظيم .
على أن هؤلاء الذين منعوا إعطاء أبي بكر زكاتهم لم ينكروا وجوبها ولكنهم
تأخروا ليتبينوا الامر ويقول الشيعة إن هؤلاء فوجئوا بخلافة أبي بكر وفيهم من
حضر مع رسول الله حجة الوداع وسمع منه النص على علي بن أبي طالب فتريثوا
____________
( 1 ) صحيح مسلم ج 8 ص 51 كتاب الايمان .
( 2 ) سورة النساء : آية 94 .
( 183 )
حتى يفهموا الحقيقة ، ولكن أبا بكر أراد إسكاتهم عن تلك الحقيقة وبما أنني لا
أستدل ولا أحتج بما يقوله الشيعة فسأترك هذه القضية لمن يهمه الامر ليبحث
فيها .
على أنني لا يفوتني أن أسجل هنا أن صاحب الرسالة صلى الله عليه وآله وقعت له في
حياته قصة ثعلبة الذي طلب منه أن يدعو له بالغني وألح في ذلك وعاهد الله أنه
يتصدق ودعا له رسول الله وأغناه الله من فضله وضاقت عليه المدينة وأرجاؤها من
كثرة إبله وغنمه حتى ابتعد ولم يعد يحضر صلاة الجمعة ، ولما أرسل إليه
رسول الله صلى الله عليه وآله العاملين على الزكاة رفض أن يعطيهم شيئا منها قائلا إنما هذه
جزية أو أخت الجزية ، ولم يقاتله رسول الله ولا أمر بقتاله وأنزل فيه قوله :
( ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين * فلما
آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون )(1).
وجاء ثعلبة بعد نزول الآية وهو يبكي وطلب من رسول الله قبول زكاته
وامتنع الرسول حسب ما تقول الرواية .
فإذا كان أبو بكر وعمر يتبعان سنة الرسول فلماذا هذه المخالفة وإباحة دماء
المسلمين الابرياء لمجرد منع الزكاة على أن المعتذرين لابي بكر والذين يريدون
تصحيح خطئه بتأويله بأن الزكاة هي حق المال ، لا يبقى لهم ولا له عذر بعد
قصة ثعلبة الذي أنكر الزكاة واعتبرها جزية ، ومن يدري لعل أبا بكر أقنع صاحبه
عمر بوجوب قتل من منعوه الزكاة أن تسري دعوتهم في البلاد الاسلامية
لاحياء نصوص الغدير التي نصبت عليا للخلافة ، ولذلك شرح الله صدر
عمر بن الخطاب لقتالهم وهو الذي هدد بقتل المتخلفين في بيت فاطمة وحرقهم
بالنار من أجل أخذ البيعة لصاحبه .
أما الحادثة الثالثة التي وقعت لابي بكر في أول خلافته وخالفه فيها عمر بن
الخطاب وقد تأول فيها النصوص القرآنية والنبوية : فهي قصة خالد بن الوليد
____________
( 1 ) سورة التوبة : آية 75 ، 76 .
( 184 )
الذي قتل مالك بن نويرة صبرا ونزا على زوجته فدخل بها في نفس الليلة .
وكان عمر يقول لخالد : يا عدو الله قتلت امرءا مسلما ثم نزوت على
امرأته ، والله لارجمنك بالاحجار (1).
ولكن أبا بكر دافع عنه وقال : « هبه يا عمر ، تأول فأخطأ فارفع لسانك
عن خالد » .
وهذه فضيحة أخرى سجلها التاريخ لصحابي من الاكابر ! ! إذا ذكرناه ،
ذكرناه بكل احترام وقداسة ، بل ولقبناه بـ « سيف الله المسلول » ! ! .
ماذا عساني أن أقول في صحابي يفعل مثل تلك الافعال يقتل
مالك بن نويرة الصحابي الجليل سيد بني تميم وبني يربوع وهو مضرب الامثال في
الفتوة والكرم والشجاعة .
وقد حدث المؤرخون أن خالدا غدر بمالك وأصحابه بعد أن وضعوا
السلاح وصلوا جماعة فأوثقوهم بالحبال وفيهم ليلى بنت المنهال زوجة مالك وكانت
من أشهر نساء العرب بالجمال ويقال إنها لم ير أجمل منها وفتن خالد بجمالها ، وقال
له مالك : يا خالد أبعثتنا إلى أبي بكر فيكون هو الذي يحكم فينا ، وتدخل
عبدالله بن عمر وأبوقتادة الانصاري وألحا على خالد أن يبعثهم إلى أبي بكر
فرفض خالد وقال : لا أقالني الله أن لم أقتله فالتفت مالك إلى زوجته ليلى وقال
لخالد : هذه التي قتلتني ، فأمر خالد بضرب عنقه وقبض على ليلى زوجته ودخل
بها في تلك الليلة (2).
ماذا عساني أن أقول في هؤلاء الصحابة الذين يستبيحون حرمات الله
ويقتلون النفوس المسلمة من أجل هوى النفس ويستبيحون الفروج التي حرمها
____________
( 1 ) تاريخ الطبري ج 3 ص 280 تاريخ أبي الفداء ج 1 ص 158 .
تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 110 الاصابة في معرفة الصحابة ج 3 ص 336 .
( 2 ) تاريخ أبي الفداء ج 1 ص 158 تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 110 .
تاريخ ابن الشحنة بهامش الكامل ج 11 ص 114 وفيات الاعيان ج 6 ص 14 .
( 185 )
الله ، ففي الاسلام لا تنكح المرأة المتوفى زوجها إلا بعد العدة التي حددها الله في
كتابه العزيز ، ولكن خالدا اتخذ إلهه هواه فتردى وأي قيمة للعدة عنده بعد أن
قتل زوجها صبرا وظلما وقتل قومه أيضا وهم مسلمون بشهادة عبدالله بن عمر
وأبي قتادة الذي غضب غضبا شديدا مما فعله خالد وانصرف راجعا إلى المدينة
وأقسم أن لا يكون أبدا في لواء عليه خالد بن الوليد (1).
وحسبنا في هذه القضية المشهورة أن ننقل اعتراف الاستاذ هيكل في كتابه
« الصديق أبو بكر » إذ قال تحت عنوان « رأي عمر وحجته في الامر » .
« أما عمر ، وكان مثال العدل الصارم ، فكان يرى أن خالدا عدا على
امرئ مسلم ونزا على امرأته قبل انقضاء عدتها فلا يصح بقاؤه في قيادة الجيش
حتى لا يعود لمثلها فيفسد أمر المسلمين ، ويسيء إلى مكانتهم بين العرب قال :
ولا يصح أن يترك بغير عقاب على ما أتم مع ليلى .
ولو صح أنه تأول فأخطأ في أمر مالك ، وهذا ما لا يجيزه عمر ، وحسبه ما
صنع مع زوجته ليقام عليه الحد ، فليس ينهض عذرا له إنه سيف الله ، وإنه
القائد الذي يسير النصر في ركابه فلو أن مثل هذا العذر يقبل لأبيحت لخالد
وأمثاله المحارم ، ولكان أسوأ مثل يضرب للمسلمين في احترام كتاب الله ، لذلك
لم يفتأ عمر يعيد على أبي بكر ، ويلح عليه ، حتى استدعى خالدا
وعنفه . . » (2).
وهل لنا أن نسأل الاستاذ هيكل وأمثاله من علمائنا الذين يراوغون حفاظا
على كرامة الصحابة ، هل لنا أن نسألهم ، لماذا لم يقم أبو بكر الحد على خالد ؟
وإذا كان عمر كما يقول هيكل مثال العدل الصارم فلماذا اكتفى بعزله عن قيادة
الجيش ولم يقم عليه الحد الشرعي حتى لا يكون ذلك أسوأ مثل يضرب للمسلمين
في احترام كتاب الله كما ذكر ؟ وهل احترموا كتاب الله وأقاموا حدود الله ؟ كلا إنها
____________
( 1 ) تاريخ الطبري ج 3 ص 280 تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 110 .
تاريخ أبي الفداء الاصابة ج 3 ص 336 .
( 2 ) كتاب « الصديق أبو بكر » للاستاذ هيكل ص 151 .
( 186 )
السياسة وما أدراك ما السياسة ؟ تصنع الاعاجيب وتقلب الحقائق ، وتضرب
بالنصوص القرآنية عرض الجدار .
وهل لنا أن نسأل بعض علمائنا الذين يروون في كتبهم أن رسول الله صلى الله عليه وآله
غضب غضبا شديدا عندما جاء أسامة ليشفع لامراة شريفة سرقت .
فقال صلى الله عليه وآله : « ويحك أتشفع في حد من حدود الله والله لو كانت فاطمة
بنت محمد سرقت لقطعت يدها ، إنما أهلك من كان قبلكم إذا سرق الشريف
تركوه وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد » .
فكيف يسكتون عن قتل المسلمين الابرياء والدخول بنسائهم في نفس الليلة
وهن منكوبات بموت أزواجهن وياليتهم يسكتون ! ولكنهم يحاولون تبرير فعل
خالد باختلاق الاكاذيب وبخلق الفضائل والمحاسن له حتى لقبوه بسيف الله
المسلول .
ولقد أدهشني بعض أصدقائي وكان مشهورا بالمزح وقلب المعاني ، فكنت
أذكر له مزايا خالد بن الوليد في أيام جهالتي وقلت له أنه سيف الله المسلول ،
فأجابني : إنه سيف الشيطان المشلول ، واستغربت يومها ، ولكن بعد البحث
فتح الله بصيرتي وعرفني قيمة هؤلاء الذين استولوا على الخلافة وبدلوا أحكام الله
وعطلوها وتعدوا حدود الله واخترقوها .
وخالد بن الوليد له في حياة النبي قصة مشهورة إذ بعثه النبي إلى بني جذيمة
ليدعوهم إلى الاسلام ولم يأمره بقتالهم .
فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا فقالوا : صبأنا صبأنا فجعل خالد يقتل ويأسر
بهم ودفع الاسرى إلى أصحابه وأمرهم بقتلهم وامتنع البعض من قتلهم لما تبين
لهم أنهم أسلموا ولما رجعوا وذكروا ذلك النبي (ص) .
قال : اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد قالها مرتين (1) وبعث
علي بن أبي طالب إلى بني جذيمة ومعه مال فودى لهم الدماء وما أصيبت لهم من
____________
( 1 ) صحيح البخاري ج 4 ص 171 باب إذا قضى الحاكم بجور فهو رد .
( 187 )
أموال حتى ودى لهم ميلغة الكلب وقام رسول الله صلى الله عليه وآله فاستقبل القبلة قائما
شاهرا يديه إلى السماء حتى انه ليرى ما تحت منكبيه ، يقول : اللهم إني أبرأ إليك
مما صنع خالد بن الوليد ثلاث مرات (1).
فهل لنا أن نسأل أين هي عدالة الصحابة المزعومة التي يدعونها ، وإذا كان
خالد بن الوليد وهو عندنا من عظمائنا حتى لقبناه بسيف الله أفكان ربنا يسل سيفه
ويسلطه على المسلمين والابرياء وعلى المحارم فيهتكها ، ففي ذلك تناقض لان الله
ينهى عن قتل النفس وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي ولكنه - أي خالد - في
نفس الوقت يسل سيف البغي ليفتك بالمسلمين ويهدر دماءهم وأموالهم ويسبي
نساءهم وذراريهم ، إن هذا زور من القول وبهتان مبين ، سبحانك ربنا وبحمدك
تباركت وتعاليت عن ذلك علوا كبيرا ، سبحانك ما خلقت السموات والارض
وما بينهما باطلا ، ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار .
كيف جاز لابي بكر وهو خليفة المسلمين أن يسمع بتلكم الجرائم الموبقة
ويسكت عنها بل ويدعو عمر بن الخطاب بأن يكف لسانه عن خالد ، ويغضب
على أبي قتادة لانكاره فعل خالد ، أكان مقتنعا حقا بأن خالدا تأول فأخطأ ، فأي
حجة بعد هذا على المجرمين والفاسقين في هتكهم الحرمات وأدعائهم التأويل .
أما أنا فلا أعتقد بأن أبا بكر كان متأولا في أمر خالد الذي سماه عمر بن
الخطاب بـ « عدو الله » وكان من رأيه أن يقتل خالد لانه قتل أمرءا مسلما ويرجمه
بالحجارة لانه زنى بزوجة مالك ( ليلى ) ولم يقع شيء من ذلك للقاتل الجاني بل
خرج منها منتصرا على عمر بن الخطاب لان أبا بكر وقف إلى جانبه وهو يعلم
حقيقة خالد أكثر من أي أحد ، فقد سجل المؤرخون أنه بعثه بعد تلك الواقعة
المشينة إلى اليمامة التي خرج منها منتصرا وتزوج في أعقابها بنتا كما فعل مع ليلى ولما
تجف دماء المسلمين بعد ولا دماء أتباع مسيلمة ، وقد عنفه أبو بكر على فعلته هذه
بأشد مما عنفه على فعلته مع ليلى (2) ، ولا شك أن هذه البنت هي الاخرى ذات
____________
( 1 ) سيرة ابن هشام ج 4 ص 53 طبقات ابن سعد ، اُسد الغابة ج 3 ص 102 .
( 2 ) الاستاذ هيكل في كتابه « الصديق أبو بكر » ص 151 وما بعدها .
( 188 )
بعل فقتله خالد ونزا عليها كما فعل بليلى زوجة مالك .
وإلا لما استحق أن يعنفه أبو بكر بأشد مما عنفه على فعلته الاولى ، على أن
المؤرخين يذكرون نص الرسالة التي بعث بها أبو بكر إلى خالد بن الوليد وفيها
يقول : « لعمري يابن أم خالد إنك لفارغ تنكح النساء وبفناء بيتك دم ألف
ومائتي رجل من المسلمين لم يجف بعد »(1).
ولما قرأ خالد هذا الكتاب قال : هذا عمل الاعسر يقصد بذلك عمر بن
الخطاب .
فهذه من الاسباب القوية التي جعلتني أنفر من أمثال هؤلاء الصحابة ، ومن
تابعيهم الذين يتأولون النصوص ويختلقون الروايات الخيالية لتبرير أعمال أبي بكر
وعمر وعثمان وخالد بن الوليد ومعاوية وعمرو بن العاص وإخوانهم ، اللهم إني
استغفرك وأتوب إليك ، اللهم إني أبرأ إليك من أفعال هؤلاء وأقوالهم التي
خالفت أحكامك واستباحت حرماتك وتعدت حدودك ، واغفر لي ما سبق من
موالاتهم إذ كنت من الجاهلين ، وقد قال رسولك « لا يعذر الجاهل بجهله » ،
اللهم إن ساداتنا وكبراءنا قد أضلونا السبيل وحجبوا عنا الحقيقة وصوروا لنا
الصحابة المنقلبين بأنهم أفضل الخلق بعد رسولك ، ولا شك إن آباءنا وأجدادنا
كانوا ضحية الدس والغش الذي توخاه الامويون ومن بعدهم العباسيون اللهم
فاغفر لهم ولنا فأنت تعلم السرائر وما تخفي الصدور وما كان حبهم وتقديرهم
واحترامهم لاولئك الصحابة إلا عن حسن نية على أنهم أنصار رسولك محمد
صلواتك وسلامك عليه وأحباؤه . . وأنت تعلم - يا سيدي - حبهم وحبنا للعترة
الطاهرة ، الائمة الذين أذهبت عنهم الرجس وطهرتهم تطهيرا وعلى رأسهم سيد
المسلمين وأمير المؤمنين وقائد الغر المحجلين وإمام المتقين سيدنا على بن أبي
طالب .
واجعلني اللهم من شيعتهم ومن المتمسكين بحبل ولائهم والسائرين على
منهاجهم ، والراكبين في سفينتهم والمستمسكين بعروتهم الوثقى والداخلين من
____________
( 1 ) تاريخ الطبري ج 3 ص 254 ، تاريخ الخميس ج 343 .
( 189 )
أبوابهم والدائبين في محبتهم ومودتهم العاملين بأقوالهم وأفعالهم والشاكرين
لفضلهم ونوالهم .
اللهم واحشرني في زمرتهم فقد قال نبيك صلواتك عليه وعلى آله : « يحشر
المرء مع من أحب » .
2 - حديث السفينة
قال رسول الله صلى الله عليه وآله :
« إنما مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح في قومه ، من ركبها نجا ومن
تخلف عنها غرق »(1).
« وإنما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني إسرائيل من دخله غفر
له »(2).
وقد أورد ابن حجر في كتابه الصواعق المحرقة هذا الحديث ثم قال : ووجه
تشبيههم بالسفينة أن من أحبهم وعظمهم شكرا لنعمة مشرفهم ، وأخذا بهدي
علمائهم نجا من ظلمة المخالفات ، ومن تخلف عن ذلك غرق في بحر كفر النعم
وهلك في مفاوز الطغيان ، ووجه تشبيههم بباب حطة ، إن الله تعالى جعل دخول
ذلك الباب الذي هو باب أريحا ، أو بيت المقدس مع التواضع ، والاستغفار سببا
للمغفرة ، وجعل لهذه الامة مودة أهل البيت سببا للمغفرة والنجاة .
ويا ليتني أسأل ابن حجر هل كان من الذين ركبوا السفينة ودخلوا الباب
وأخذوا بهدي العلماء ، أم أنه من الذين يقولون مالا يفعلون ويخالفون ما
يعتقدون ، وكثيرون هم أولئك الجهلة الذين عندما أسألهم واحتج عليهم يقولون
____________
( 1 ) المستدرك للحاكم ج 3 ص 151 تلخيص الذهبي ، ينابيع المودة ص 30 و 370 .
الصواعق المحرقة لابن حجر ص 184 و 234 ، تاريخ الخلفاء للسيوطي والجامع الصغير له ،
إسعاف الراغبين .
( 2 ) مجمع الزوائد للهيثمي ج 9 ص 168 .
( 190 )
لي ، نحن أولى بأهل البيت وبالامام علي من غيرنا ، نحن نحترم أهل البيت
ونقدرهم وليس هناك من ينكر فضلهم وفضائلهم ! .
نعم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ، أو أنهم يحترمونهم ويقدرونهم
ولكن يقتدون بأعدائهم ، ويقلدونهم ومن قاتلهم وخالفهم .
أو أنهم في أغلب الاحيان لا يعرفون من هم أهل البيت وإذا سألتهم من
هم أهل البيت ؟ يجيبون على الفور : هم نساء النبي اللاتي أذهب الله عنهن
الرجس وطهرهم تطهيرا ، وقد كشف لي أحدهم عن هذا اللغز عندما سألته
وأجابني قائلا : أهل السنة والجماعة كلهم يقتدون بأهل البيت ، وتعجبت وقلت
كيف ذلك ؟ فقال : قال رسول الله خذوا نصف دينكم عن هذه الحميراء يعني
عائشة ، فنحن أخذنا نصف الدين عن أهل البيت ، وعلى هذا الاساس يفهم
كلامهم حول احترام وتقدير أهل البيت أما إذا سألتهم عن الائمة الاثني عشر فلا
يعرفون منهم غير علي والحسن والحسين مع أنهم لا يقولون بإمامة الحسنين ، وهم
يحترمون معاوية بن أبي سفيان الذي دس السم للحسن فقتله ( ويسمونه « كاتب ـ
الوحي » ) وعمرو بن العاص كاحترامهم الامام علي .
إنه التناقض والخلط والتلبيس تلبيس الحق بالباطل وتغليف الضياء بالظلام
وإلا كيف يجتمع في قلب المؤمن حب الله والشيطان معا ، قال الله في كتابه المجيد :
(
لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو
كانوا آباءهم ، أو أبناءهم ، أو إخوانهم ، أو عشيرتهم ، أولئك كتب في قلوبهم
الايمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها
رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم
المفلحون )(1).
وقال أيضا عز من قائل :
( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة
____________
( 1 ) سورة المجادلة : آية 22 .
( 191 )
وقد كفروا بما جاءكم من الحق) (1).
3 - حديث من سره أن يحيا حياتي
قال رسول الله صلى الله عليه وآله :
« من سره أن يحيا حياتي ، ويموت مماتي ، ويسكن جنة عدن غرسها ربي ،
فليوال عليا من بعدي وليوال وليه ، وليقتد بأهل بيتي من بعدي ، فإنهم عترتي
خلقوا من طينتي ، ورزقوا فهمي وعلمي ، فويل للمكذبين بفضلهم من أمتي ،
القاطعين فيهم صلتي ، لا أنالهم الله شفاعتي »(2).
وهذا الحديث هو كما نرى من الاحاديث الصريحة التي لا تقبل التأويل ولا
تترك للمسلم أي اختيار بل تقطع عليه كل حجة ، وإذا لم يوال عليا ويقتد بأهل
البيت عترة الرسول فهو محروم من شفاعة جدهم رسول الله صلى الله عليه وآله .
وتجدر الاشارة هنا بأنه خلال البحث الذي قمت به شككت في البدء في
صحة هذا الحديث واستعظمته لما فيه من تهديد ووعيد لمن كان على خلاف مع
علي وأهل البيت وخصوصا أن هذا الحديث لا يقبل التأويل ، وخفت الوطأة
عندما قرأت في كتاب الاصابة لابن حجر العسقلاني بعدما أخرج الحديث
قوله : « قلت في أسناده يحيى بن يعلى المحاربي وهو واه » وأزال ابن حجر بهذا
القول بعض الاشكال الذي علق بذهني إذ تصورت أن يحيى بن يعلى المحاربي هو
واضع الحديث وهو ليس بثقة ، ولكن الله سبحانه وتعالى أراد أن يوقفني على
الحقيقة بكاملها ، وقرأت يوما كتاب « مناقشات عقائدية في مقالات إبراهيم
الجبهان » (3) .
____________
( 1 ) سورة الممتحنة : آية 1 .
( 2 ) مستدرك الحاكم ج 3 ص 128 الطبراني في الجامع الكبير الاصابة لابن حجر العسقلاني ، كنز العمال
ج 6 ص 155 . المناقب للخوارزمي ص 34 ينابيع المودة ص 149 . حلية الاولياء ج 1 ص 86 تاريخ
ابن عساكر ج 2 ص 95 .
( 3 ) مناقشات عقائدية في مقالات إبراهيم الجبهان صفحة 29 .
( 192 )
وأوقفني هذا الكتاب على جلية الحال إذ تبين أن يحيى بن يعلى المحاربي هو
من الثقات الذين اعتمدهم الشيخان مسلم والبخاري ، وتتبعت بنفسي فوجدت
البخاري يخرج له أحاديث في باب غزوة الحديبية من جزئه الثالث في صفحة عدد
31 ، كما أخرج له مسلم في صحيحه في باب الحدود من جزئه الخامس في صفحة
عدد 119 والذهبي نفسه - على تشدده - أرسل توثيقة إرسال المسلمات وقد عده
أئمة الجرح والتعديل من الثقات واحتج به الشيخان فلماذا هذا الدس والتزوير
وتقليب الحقائق والطعن في رجل ثقة احتج به أهل الصحاح ؟ ألانه ذكر الحقيقة
الناصعة في وجوب الاقتداء بأهل البيت فكان جزاؤه من ابن حجر التوهين
والتضعيف ، وقد فات ابن حجر أن من ورائه علماء جهابذة يحاسبونه على كل
صغيرة وكبيرة ويكشفون تعصبه وجهله لانهم يستضيئون بنور النبوة ويهتدون بهدى
أهل البيت .
وعرفت بعد ذلك أن ببعض علمائنا يحاولون جهدهم تغطية الحقيقة لئلا
ينكشف أمر الصحابة والخلفاء الذين كانوا أمراءهم وقدوتهم فتجدهم مرة يتأولون
الاحاديث الصحيحة الثابتة ويحملونها غير معانيها ، مثال ذلك تأويلهم لمعنى
المولى بدل الاولى إلى معنى المحب والناصر في حديث « من كنت مولاه فهذا علي
مولاه » ، فعلماء أهل السنة يقولون بصحة الحديث ولكن يجب تأويله إلى معنى
المحب والناصر وذلك لتصحيح خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وإلا لوجب أن يكون
علي كرم الله وجهه أولى منهم جميعا ، وهذا فيه مافيه من تفسيق أكثر الصحابة
الذين بايعوا أبا بكر وهو منكر من القول ؛ هذا قول علماء أهل السنة والجماعة كما
صرح لي به كثير من علمائنا في تونس ! ولما قلت لهم أن رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم قبل الحديث وخلال الخطبة سألهم ( ألست أولى بكم من أنفسكم ؟
قالوا : بلى عند ذلك قال « من كنت مولاه فهذا علي مولاه » ) ، أجاب البعض بأن
هذا من زيادات الشيعة ، وعندما سألتهم : أيعقل أن يجمع رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم مائة ألف من الحجيج في حر الهجير ويحبسهم في الشمس المحرقة
ليقول لهم بأن عليا محب وناصر المسلمين ؟ أهذا معقول ؟ ؟ فسكتوا ولم يجيبوا .
ومرة يكذبون الاحاديث التي تناقض مذهبهم وإن وردت في صحاحهم
( 193 )
وأسانيدهم ، مثال ذلك حديث « الخلفاء من بعدي إثنا عشر كلهم من قريش
وفي رواية كلهم من بني هاشم » وقد أخرج الحديث كل من البخاري ومسلم وكل
صحاح أهل السنة والجماعة ، ومع ذلك فهم يكذبون أن يكون هؤلاء هم الائمة
الاثنا عشر من أهل البيت الذين تقول بإمامتهم وولائهم الشيعة الامامية الاثنا
عشرية ، وهم يعدون الخلفاء الراشدين الاربعة ومنهم من يلحق بهم الخليفة
عمر بن عبدالعزيز فيصح العدد خمسة ويتوقفون عند ذلك لانهم ، والحق معهم
لا يعدون معاوية وابنه يزيد ولا مروان بن الحكم وأولاده من الخلفاء الراشدين ،
ويبقى العدد ( إثنا عشر ) بالنسبة إليهم لغزا ليس له حل اللهم إلا إذا قالوا بقول
الامامية ! .
ومرة يحذفون من الحديث نصفه أو ثلثيه ليبدلوه بـ ( كذا وكذا ) ! ! ومثال ذلك
حديث « إن هذا أخي ووصيي وخليفتي من بعدي فاسمعوا له وأطيعوا » قاله وهو
آخذ برقبة علي وقد أخرج هذا الحديث كل من الطبري في تاريخه وابن الاثير في
كامله وكذلك كنز العمال ومسند الامام أحمد وصاحب السيرة الحلبية وابن عساكر
ولكن الذي طبع كتاب تفسير الطبري ج 19 ص 121 لم يترك الحديث كاملا كما نطق
به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بل حذف منه كل معانيه وأبدلها بقوله « إن
هذا أخي وكذا وكذا ! ! » » وغفل عن أن الطبري أخرج الحديث كاملا في تاريخه
ج 2 ص 319 - 321 ؛ إنها الامانة العلمية ، ولعل هذا العالم لم تمكنه الحيل من تكذيب
الحديث ورأى أن فيه نصا صريحا على خلافة علي بعد رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم فعمد إلى تغطية هذه النصوص وتبديلها بكذا وكذا وظن هذا المسكين
بأنه سوف يحجب نور الشمس عندما يغمض هو عينيه ، أو أنه سوف يقنع القراء
والمثقفين بقوله : كذا وكذا ، كلا إنها كلمة هو قائلها ! ! .
ومرة يشككون في الرواة الثقاة لانهم حدثوا بما لا تهوى انفسهم ، مثال
ذلك طعنهم في يحيى بن يعلى المحاربي وهو من الثقاة الذين احتج بهم البخاري
ومسلم في الصحاح ولكن ابن حجر العسقلاني طعن به ووصفه بأنه واه ، لا
إلا أنه روى حديث الموالاة الذي أمر فيه رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم أصحابه بأن يوالوا من بعده عليا وأهل البيت ، وهذا الحديث لا يروق
( 194 )
لابن حجر وأمثاله الذين يحاولون جهدهم طمس الحقائق التي أنفق معاوية بن أبي
سفيان كل ما يملك من الذهب والفضة في سبيل طمسها فلم يفلح ، فكيف يمكن
لابن حجر أن يطمسها بطعنه في الرواة الثقاة ، وقد كان لمعاوية زيادة على
المال ، الحول والطول والسلطة والجاه ومع ذلك فشل فشلا ذريعا وطواه الزمان في
خبر كان بينما بقي نور الامام علي يشع على مر الايام ، فكيف يتسنى لابن حجر
وأضرابه أن يشككوا في حقيقة أهل البيت بمجرد الطعن في الرواة الامناء
الثقاة ؟ ؟ فهيهات هيهات أن ينطفئ نور الله بالافواه ! . .
ومرة يخرجون الحديث في الطبعة الاولى ويحذفونه في الطبعات الاخرى بدون
أي إشارة إلى مبرر الحذف رغم أن المطلعين يدركون سبب ذلك ! ! مثال ذلك ما
فعله محمد حسين هيكل في كتابه « حياة محمد » في الطبعة الاولى ص 104 قال :
عندما نزل قوله سبحانه ( وأنذر عشيرتك الاقربين ) ثم أورد القصة كما ذكرها
المؤرخون وفي أخرها قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم « إن هذا أخي
ووصيي وخليفتي فيكم .. ! !» ولكنه حذفها في الطبعة الثانية وما بعدها من
الطبعات بدون إشارة ولا تعليق يشيران من قريب أو من بعيد لسبب حذفه هذه
الفقرة من حديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وإن كان الشيخ محمد جواد
مغنية - والعهدة عليه - نقل في كتابه « الشيعة في الميزان » هذه الحادثة وقال أن
محمد حسين هيكل حذف هذه الفقرة مقابل آلاف الجنيهات ، وبما أن هيكل لم
يكذب الخبر ولم يعلل حذفه للفقرة المذكورة ، فقد تبين صدق الشيخ محمد جواد
مغنية ، واطلاعه الواسع على مجريات الامور ! .
على أننا نقول لهؤلاء وأمثالهم الذين يشترون بآيات الله ثمنا قليلا : إتقوا الله
وقولوا قولا سديدا وتذكروا قوله سبحانه وتعالى : ( إن الذين يكتمون ما أنزلنا
من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم
اللاعنون ) سورة البقرة آية 159 ، وقوله سبحانه وتعالى : ( إن الذين يكتمون ما
أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا ، أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا
النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم ) سورة البقرة
آية 174 .
( 195 )
فهل لهؤلاء أن يتوبوا إلى الله ويعترفوا بالحق عسى أن يتوب الله عليهم
، قبل فوات الآوان ؟ ؟ ؟ .
وقد تحقق لدي كل هذا بعد البحث والتمحيص وعندي أدلة قاطعة على ما
أقول ، فليتهم إذ يحاولون عبثا كل هذه المحاولات لتبرير أعمال الصحابة الذين
انقلبوا على الاعقاب ، فجاءت أقوالهم متناقضة بعضها مع بعض ومتناقضة مع
التاريخ .
ليتهم اتبعوا الحق ولو كان مرا إذا لاراحوا واستراحوا ، ولكانوا سببا في
جمع شمل هذه الامة المتمزقة والمتناحرة لا لشيء إلا لتأييد أقوالهم أو تفنيدها .
وإذا كان بعض الصحابة الاولين غير ثقاة في نقل الاحاديث النبوية
الشريفة فيبطلون منها ما لا يتماشى وأهواءهم وخصوصا إذا كانت هذه الاحاديث
من الوصايا التي أوصى بها رسول الله صلى الله عليه وآله عند وفاته ، فقد أخرج البخاري
ومسلم أن رسول الله أوصى عند موته بثلاث :
- أخرجوا المشركين من جزيرة العرب .
- أجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم . . ثم يقول الراوي :
ونسيت الثالثة (1).
فهل يعقل أن الصحابة الحاضرين الذين سمعوا وصايا الرسول الثلاث عند
موته ينسون الوصية الثالثة وهم الذين كانوا يحفظون القصائد الشعرية الطويلة
بعد سماعها مرة واحدة ؟ كلا ولكن السياسة هي التي أجبرتهم على نسيانها وعدم
ذكرها ، إنها مهزلة أخرى من مهازل هؤلاء الصحابة ، ولان الوصية الاولى
لرسول الله كانت - بلا شك - استخلاف علي بن أبي طالب فلم يذكرها الراوي .
مع أن الباحث في هذه المسألة يجد رائحة الوصية لعلي تفوح رغم كتمانها
وعدم ذكرها فقد أخرج البخاري في صحيحه في كتاب الوصايا كما أخرج مسلم
____________
( 1 ) صحيح البخاري ج 1 ص 121 باب جوائز الوفد من كتاب الجهاد والسير ، صحيح مسلم ج 5 ص
75 كتاب الوصية .
( 196 )
أيضا في صحيحه في كتاب الوصية أنه ذكر عند عائشة أن النبي أوصى إلى
علي (1) ، أنظر كيف يظهر الله نوره ولو ستره الظالمون .
أعود فأقول إذا كان هؤلاء الصحابة غير ثقاة في نقل وصايا رسول الله فلا
لوم بعد ذلك على التابعين وتابعي التابعين .
وإذا كانت عائشة أم المؤمنين لا تطيق ذكر اسم علي ولا تطيب لها نفسا بخير
كما ذكر ذلك ابن سعد في طبقاته (2) والبخاري في صحيحه ( باب مرض النبي
ووفاته ) وإذا كانت تسجد لله شكرا عندما سمعت بموته ، فكيف يرجى منها ذكر
الوصية لعلي وهي من عرفت لدى الخاص والعام بعدائها وبغضها لعلي وأولاده
ولاهل بيت المصطفى .
فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
***
____________
( 1 ) صحيح البخاري ج 3 ص 68 باب مرض النبي ووفاته صحيح مسلم ج ص 14 من كتاب
الوصية .
( 2 ) طبقات ابن سعد القسم الثاني من الجزء 2 ص 29 .